سورة مريم - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} أي دلائل واضحات {قال الذين كفروا} يعني النضر بن الحارث ومن دونه من كفار قريش {للذين آمنوا} يعني فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة، وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون أفخر ثيابهم {أي الفريقين خير مقاماً} أي منزلاً ومسكناً وهو موضع الإقامة {وأحسن ندياً} أي مجلساً فأجابهم الله تعالى بقوله: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً} أي متاعاً وأموالاً وقيل أحسن ثياباً ولباساً {ورئياً} أي منظراً من الرؤية {قل من كان في ضلالة فليمدد له الرحمن مداً} هذا أمر بمعنى الخبر معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره {حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب} أي الأسر والقتل في الدنيا {وإما الساعة} يعني القيامة فيدخلون النار {فسيعلمون} أي عند ذلك {من هو شر مكاناً} أي منزلاً {وأضعف جنداً} أي أقل ناصراً والمعنى فيسعلمون أهم خير وهم في النار أم المؤمنون وهم في الجنة وهذا رد عليهم في قولهم أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً، قوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} أي إيماناً وإيقاناً على يقينهم {والباقيات الصالحات} أي الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها {خير عند ربك ثواباً وخير مرداً} أي عاقبة ومرجعاً. قوله تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية،.
(ق) عن خباب بن الأرت قال كنت رجلاً قيناً في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دين فأتيته أتقاضاه، وفي رواية فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفاً فجئته أتقاضاه، فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد. فقلت لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث. قال وإني لميت ثم مبعوث. قلت بلى دعني حتى أموت وأبعث فسأوتي مالاً وولداً فأقضيك. فنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا}.


{أم اتخذ عند الرحمن عهداً} يعني قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل يعني عمل عملاً صالحاً قدمه، وقيل عهد إليه أنه يدخله الجنة {كلا} رد عليه يعني لم يفعل ذلك {سنكتب} سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة، وقيل يأمر الملائكة حتى يكتبوا {ما يقول ونمد له من العذاب مداً} أي نزيده عذاباً فوق العذاب، وقيل نطيل مدة عذابه {ونرثه ما يقول} معناه أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه وإبطال ملكه، وقيل يزول عنه ما عنده من مال وولد فيعود الإرث إلى من خلفه وإذا سلب ذلك بقي فرداً فذلك قوله: {ويأتينا} يعني يوم القيامة {فرداً} بلا مال ولا ولد فلا يصح أن يبعث في الآخرة بمال وولد. قوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة} يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبد ونها {ليكونوا لهم عزاً} أي منعة يعني يكونوا شفعاء يمنعوهم من العذاب {كلا} أي ليس الأمر كما زعموا {سيكفرون بعبادتهم} يعني تحجد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبد ونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم {ويكونون عليهم ضداً} أي أعواناً عليهم يكذبونهم ويلعنونهم وقيل أعداء لهم وكانوا أولياءهم في الدنيا. قوله عز وجل: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين} أي سلطانهم عليهم {تؤزهم أزاً} أي تزعجهم إزعاجاً من الطاعة إلى المعصية والمعنى تحثهم وتحرضهم على المعاصي تحريضاً شديداً وفي الآية دليل على أن الله تعالى مدبر لجميع الكائنات {فلا يتعجل عليهم} أي لا تعجل بطلب عقوبتهم {إنا نعد لهم عداً} يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام، وقيل الأنفاس التي يتنفسونها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم. قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً} أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى جنته وفداً أي جماعات. قال ابن عباس: ركباناً قال أبو هريرة: على الإبل. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها من الذهب ونجائب سروجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت. {ونسوق المجرمين} أي الكافرين {إلى جهنم ورداً} أي مشاة عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد إلا بعد العطش وقيل يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر معهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمضي معهم حيث أمسوا» قول تقيل معهم حيث قالوا من القيلولة وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفاً مشاة وصنفاً ركباناً وصنفاً على وجوههم. قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدث وشوك» أخرجه الترميذي.
قوله عز وجل: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً} يعني لا إله إلا الله وقيل لا يشفع الشافعون إلا للمؤمنين، وقيل لا يشفع إلا لمن قال لا إله إلا الله، أي لا يشفع إلا للمؤمنين {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً} يعني اليهود والنصارى، ومن زعم أن الملائكة بنات الله من العرب {لقد جئتم شيئاً إداً} قال ابن عباس منكراً، وقيل معناه لقد قلتم قولاً عظيماً {تكاد السموات يتفطرن منه} من الانفطار وهو الشق {وتنشق الأرض} أي تخسف بهم {وتخر الجبال هداً} أي تسقط وتنطبق عليهم {أن دعوا} أي من أجل أن جعلوا {للرحمن ولداً} فإن قلت ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال ومن أين تؤثر هذه الكلمة في هذه الجمادات. قلت فيه وجهان أحدهما: أن الله تعالى يقول كدت أن أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضباً مني على من تفوه بها لولا حلمي وإني لا أعجل بالعقوبة. الثاني: أن يكون استعظاماً للكلمة وتهويلاً من فظاعتها وتصويراً لأثرها في الدين وهدمها لأركانه وقواعده. قال ابن عباس فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا اتخذ الله ولداً ثم نزه الله نفسه عن اتخاذ الولد ونفاه عنه.


فقال تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً} أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به لأن الولد لا بد أن يكون شبيهاً بالوالد، ولا شبيه لله تعالى ولأن اتخاذ الولد إنما يكون لأغراض لا تصح في الله تعالى من سرور به واستعانة وذكر جميل بعده وكل ذلك لا يليق بالله تعالى {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً} أي آتيه يوم القيامة عبد اً ذليلاً خاضعاً، والمعنى أن الخلائق كلهم عبيده {لقد أحصاهم وعدهم عداً} أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم فلا يخفى عليه شيء من أمورهم وكلهم تحت تدبيره وقهره وقدرته {وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً} أي وحيداً ليس معه من أحوال الدنيا شيء.
قول عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} أي محبة قيل يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى عباده المؤمنين.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أحب الله سبحانه وتعالى عبد اً دعا جبريل عليه السلام إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» وفي رواية لمسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبد اً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله عبد اً دعا جبريل عليه السلام فيقول إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض» قال هرم بن حيان: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم. وقال: كعب مكتوب في التوراة لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله عز وجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض وتصديق ذلك في القرآن {سيجعل لهم الرحمن وداً}.
قوله تعالى: {فإنما يسرناه} أي سهلنا القرآن {بلسانك} يا محمد {لتبشر به المتقين} يعني المؤمنين {وتنذر به} أي القرآن {قوماً لداً} أي شداداً في الخصومة. وقيل صماً عن الحق، وقيل الألد الظالم الذي لا يستقيم ولا يقبل الحق ويدعي الباطل {وكم أهلكنا قبلهم من قرن} ختم الله تعالى هذه السورة بموعظة بليغة لأنهم إذا علموا وأيقنوا أنه لا بد من زوال الدنيا بالموت خافوا ذلك وخافوا سوء العاقبة في الآية فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب. ثم أكد ذلك فقال تعالى: {هل تحس منهم} أي هل ترى، تجد منهم أي من القرون {من أحد أو تسمع لهم ركزاً} أي صوتاً خفياً قال الحسن: بادوا جميعاً لم يبق منهم عين ولا أثر والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2 | 3 | 4